الجمعة، 5 أكتوبر 2012

مقدمة بسيطة لهذا الأصل

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المرسلين وخاتمهم النبي الأمين

ما مراد الأئمة بقولهم "العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب"؟
يقصدون أن النص الذي جاء في القرآن أو ثبت في السنة بلفظ عام
وكان  له سبب إما سؤال شخص أو حصول واقعة
فيكون الحكم عاما لكل الأحوال والأشخاص ولا يقتصر على السبب

ولا ننسى أن معنى اللفظ العام يُعرف بالسنة وهدي الصحابة وما كان عليه سلف الأمة وإلا يكون هذا المعنى هو من المعاني المخترعة والمحدثة والمبتدعة للآياة لا يجوز العمل به . فضلا إضغط هنا لتعلم  تــَـقـيّـد الأئمة الأربعة وأئمة السنة بهذا المنهج وهو الفارق بين أهل السنة وأهل البدع

وطبعا هذا الأصل مثله مثل بقية الأصول لا نستثني منه إلى بدليل.

خطورة عدم التقيد بهذا الأصل؟
تستطيع ان تعلم خطورته إذا علمت أن أكثر الفرائض نزلت بأسباب فيكون ترك هذه القاعدة هو ترك لمجمل الشريعة وهدم لها قال الإمام الشافعي في كتابه الام "باب بيع العرايا": (وكثير من الفرائض نزل بأسباب قوم وكان لهم وللناس عامة)
كما أن هذا لا يقبله العقل لأنه سيجعل أغلب أحكام الشريعة خاصة ولا تلزم الأمة فهو حكم أن هذا الدين ليس عاما بل خاص لمن نزلت فيهم النصوص الشرعية وفي هذا يقول علاء الدين السمرقندي الحنفي ت450هـ وهو من أئمة الأحناف في عصره: (عامة النصوص..نزلت عند وقوع الحوادث لأشخاص معلومين، فلو اختصت بالحوادث لم يكن الأحكام كلها ثابتة بالكتاب والسنة تنصيصا إلا في حق أقوام مخصوصين وهذا محال ومخالف لإجماع الأمة)ميزان الأصول (333)

كيف يمكن أن يخدعنا العلمانيين والليبراليين وشيوخهم المميّعين للدين بهذا الأصل؟
هناك قاعدة أصولية ألفاظها توهم أنها المراد بقاعدتنا هذه ولكنها مختلفة تماما يعبر عنها أهل العلم بقولهم
(وقائع الأحوال/ واقعة حال/ قصة عين / واقعة عين / حكاية حال)
وفيها يقول الإمام الشافعي :
"وقائع الأحوال إذا تعددت منها الإحتمال كساها ثوب الإجمال وسقط بها الاستدلال"
الفرق :
أن واقعة الحال هي واقعة حصلت يرويها الصحابي ويذكر فيها ما كان من أفعال الرسول عليه الصلاة والسلام وصحابته ولا يذكر كل ملابساتها وتفاصيلها لكن يقتصر على ما يريده من تفاصيل تخدم غرضه من حكايته لهذه الحالة أو الواقعة مما يجعل بعض الأمور لها احتمالات لا نستطيع أن نجزم بأحدها لهذا يسقط الإستدلال بها كما ذكر الإمام الشافعي
أما قاعدتنا أوأصلنا مناطه :
هو آية أو حديث لفظهما عاما نزلت لسبب فيكون حكمها عاما لازما لكل الأمة ولمن نزلت فيه؛ فإن الله و رسوله لم يتجاوزوا اللفظ الخاص إلى اللفظ العام إلا لبيان عموم الحكم وإلزامه لكل الأمة ولهذا حكم بعمومه الصحابة وأئمة الإسلام كما سيظهر لكم هذا بإذن الله جليا من تصريحات أئمة الإسلام.
وقد ألف العلماء في هذا الباب كتب في أسباب نزول الحديث والآيات وأيضا ذكروها في كتب الشروحات والتفاسير.
فيأتي صاحب الهوى للفظ عام هو وحي من عند الله إلى رسوله (قرآن/حديث) ويسميه واقعة عين  كما يزعم ليسقط العمل به. وبهذا يمكنه ترك أغلب الشريعة.

وبإذن الله سنضع صحفة بالمدونة للأصول الفقهية التي صرّح أئمة الإسلام بإجماع الأمة عليها.

هذا والله أعلم والصلاة والسلام على المرسلين والحمد لله الذي بنمعته تتم الصالحات رب العالمين

جمال الدين ابن الحاجب المالكي (570-646هـ):

(جواب السائل..إن كان أعم منه.. وكذلك لو ورد على سبب خاص.. الصحابة عمّمت أكثر العمومات مع ذلك.. ولم ينكر)

منتهى الوصول والأمل في علمي الأصول والجدل (108)

سيف الدين الآمدي الشافعي (551-631هـ):

( أكثر العمومات وردت على أسباب خاصة... والصحابة عمموا أحكام هذه الآيات من غير نكير؛ فدل على أن السبب غير مسقط للعموم، ولو كان مسقطا للعموم لكان إجماع الأمة على التعميم خلاف الدليل، ولم يقل أحد بذلك)


الإحكام في أصول الأحكام (258/2)

صفي الدين الهندي (ـ715هـ)

(ثبت التعميم مع خصوص السبب كما في كثير من العمومات نحو آية السرقة والظهار واللعان وغيرها من الآيات والأخبار التي يطول استقصاءها.. ولم يقل أحد من الصحابة والتابعين بل أحد من الأمة أن تعميم كثير من عمومات الكتاب والسنة التي شأنها ما ذكرنا على خلاف الأصل)

نهاية الوصول في دراية الأصول (1748/5)

علاء الدين البخاري الحنفي (730هـ):

(إجماع الصحابة والتابعين رضي الله عنهم على إجراء النصوص العامة الواردة مقيّدَة بأسباب على عمومها ...ولم يخصوا هذه العمومات بهذه الأسباب فعرفنا أن العام لا يختص بسببه)

كشف الأسرار (390/2)

صدر الشريعة عبد الله بن مسعود البخاري الحنفي (ت747هـ)

(إن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب عندنا ، فإن الصحابة ومن بعدهم تمسكوا بالعمومات الواردة في حوادث خاصة)

التوضيح في حل غوامض التنقيح (113/1)

القاضي عضد الدين الإيجي الشافعي (700-756هـ):

(الصحابة عمّمت أكثر العمومات مع ابتنائها على أسباب خاصة)


شرح العضد على مختصر ابن الحاجب (110/2)

شرف الدين أبو زكريا الرهوني المالكي(ت773هـ)

(الصحابة عمّمت أكثر العمومات مع ابتنائها على أسباب خاصة)


تحفة المسؤل (110/3)

تاج الدين السبكي الشافعي (727-771هـ)

(لنا على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب : استدلال الصحابة بمثله في العمومات الواردة على أسباب خاصة ... وأحاديث كثيرة استدلت الصحابة بعمومها مع قطع النظر عن أسبابها)


رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب (124،127/4)

سعد الدين التفتازاني الشافعي (712-793هـ):

(قد اشتهر من الصحابة ومن بعدهم التمسك بالعمومات الواردة في حوادث وأسباب خاصة من غير قصر لها على تلك الأسباب فيكون إجماعا على أن العبرة لعموم اللفظ)


التلويح إلى كشف حقائق التنقيح (114/1)

كمال الدين ابن الهمام الحنفي (790-861هـ):

نقلا من كتاب تلميذه ابن أمير الحاج:
("وأما" الجواب "المستقل العام على سبب خاص فللعوم"... ولا مانع من إجرائه على عمومه .."وتمسك أصحابه فمن بعدهم في جميع الأعصار بها" أي بالأجوبة العامة الواردة على سبب خاص)


التقرير والتحبير (236/)

زين الدين ابن نجيم الحنفي (970هـ)

(العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب عندنا لأن التمسك إنما هو باللفظ وهو عام ، وخصوص السبب لا ينافي عموم اللفظ ولا يقتضي اقتصاره عليه، ولأن الصحابة ومن بعدهم تمسكوا بالعمومات الواردة في حوادث خصاة فكان إجماعا على أن العبرة لعموم اللفظ)


فتح الغفار بشح المنار (65/1)

محمد بن الحسن البدخشي الشافعي (922هـ)

(الصحابة ومن بعدهم تمسكوا بالممومات الواردة في حوادث خاصة)


مناهج العقول شرح منهاج الوصول إلى علم الأصول 465/2

محب الله بن عبد الشكور الحنفي(ت1119هـ)

(تمسك الصحابة ومن بعدهم من غير نكير بالعمومات الواردة على أسباب خاصة، وهذا يفيد علما عاديا بالإجماع على عدم منع خصوص السبب عموم اللفظ)

فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت 190/2


الثلاثاء، 2 أكتوبر 2012

مقدمة بسيطة لهذا الأصل


ما هو مراد الأئمة بقولهم "الأمر يفيد الوجوب ولو كان مجـردا عن القـرائـن" ؟
لو ثبت عندنا بحديث صحيح أو أحاديث صحيحة
أن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بأمر أو نهى عن أمر
ولكن لم يَـقــْرن هذا الأمر بتهديد أو وعيد أوذم لمخالفه ... أوغير ذلك
فقط هو أمر مجرد عن أي قرائن فقط إفعل كذا أو لا تفعل كذا
فالقاعدة أن هذا الأمر يفيد الوجوب 
إلا لو وجدنا قرينة تدل على أن هذا الأمر على الإستحباب 

خطورة هذا الأصل؟
يتضح من المقدمة البسيطة خطورة عدم التقيد بهذا الأصل فهو وسيلة لهدم كل الأوامر الشرعية وحملها على الإستحباب وبالتالي التخيير بين الفعل وعدم الفعل ولهذا قال أبو إسحاق الشيرازي الشافعي من كبار أئمة الشافعية  (393-476هـ) عن هذا الأصل :(أنه لا يجوز غيره،وفي تركه دفع للشريعة)
 وهذا لا يكون عن عالم أبداً 
ولهذا قال الإمام أبو إسحاق الإسفارئيني الشافعي (ت418هـ)إمام الشافعية في عصره كما في كتابه "شرح الترتيب":(وإنما هذا قول قوم ليسوا من الفقهاء، أدخلوا أنفسهم فيما بين الفقهاء) البحر المحيط (2/102) دار الكتب العلمية
وقال الإمام الشافعي (150-240هـ) رحمه الله : (لم أسمع أحدا نسبه الناس أو نسب نفسه إلى علم يخالف فرض الله عز وجل اتباع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم) الأم 7/285 كتاب جماع العلم
 بل ستجدون في نقول العلماء التالية أنهم أمر متفق عليه بين العقلاء بل هو فطرة عند الناس ومُسَـلـّم في لغة العرب وللأسف وجدت في بعض كتب المعاصرين الذين يقال عنهم عالم العصر فقيه الوسطية إمام الأمة رئيس العلماء إلى غير ذلك من الألقاب، لا يطبق هذا الأصل على الأوامر النبوية أما أوامر القرآن فيقول تفيد الوجوب وهذا قول ينقض نفسه.

الأدلة على هذا الأصل؟
أما الأدلة فهي كثيرة جدا من القرآن والسنة
قال تعالى : (فاليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم )
وقوله (ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم)
فدل على أن الأمر لا يفيد الاستحباب لأنه لوكان كذلك لكان مخيرا والآية نفت التخيير 
أما السنة فكثيرة ولكني سأختار حديثا واحدا في صحيح البخاري برقم 4370
و سبب اختياري له لأمرين:
1.     لأن النبي عليه الصلاة والسلام أنكر على أحد الصحابة لم يستجد لأمر مجرّد عن القرائن
2.     لأن النبي عليه الصلاة والسلام استدل على الصحابي بآية فيها أمرمن الله أيضا مجردا عن القرائن.
عن أبي سعيد بن المعلى قال:
مر بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أصلي
فدعاني
فلم آته حتى صليت ثم أتيت
فقال:
ما منعك أن تأتيني؟
فقلت :
كنت أصلي
فقال : ألم يقل الله
(يا أيها الذي آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم)

والآن ننقل لكم كلام أئمة الإسلام من مختلف الأزمنة والأقطار في أمة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام القائل: " لا تجتمع أمتي على ضلاله"

الأحد، 30 سبتمبر 2012

الإمام أبو إسحاق الإسفارئيني (ت418هـ)إمام الشافعية في عصره:


قال في كتابه "شرح الترتيب":
(حُكِيَ عن بعض أصحابنا أن الأمر للندب وأنه للإباحة، وهذا لا يعرف عنهم بل المعروف من عصر الصحابة إلى وقتنا هذا أن الأمر على الوجوب وإنما هذا قول قوم ليسوا من الفقهاء، أدخلوا أنفسهم فيما بين الفقهاء، كما نسب قوم إلى الشافعي القول بالتوقف في العموم، وليس هو مذهبه)
البحر المحيط (2/102) دار الكتب العلمية

القاضي أبو يعلى الفراء (ولد380هـ) إمام الحنابلة في عصره:


(إذا ورد الفظ الأمر متعريا عن القرائن اقتضى وجوب المأمور به وهذا ظاهر كلام أحمد رحمه الله  في مواضع- إلى أن قال - وأيضا فهو إجماع الصحابة وذلك أنهم كانوا يرجعون إلى مجرد الأوامر في الفعل والامتناع من غير توقف.. وما كانوا عليه عند ورود لفظ الأمر، والذي يُعلم أنه كان مُـتَـقـرِّراً بينهم: أن إطلاق ذلك يقتضي الوجوب والامتثال)

العدة في أصول الفقه (1/152،185)

أبو الوليد الباجي (ولد 403هـ) من كبار علماء المالكية:


(إذا ثبت أن لفظ "افعل" تدل بمجردها على الأمر.. فإنه يدل بمجرده على الإيجاب، وإنما يصرف إلى الندب بقرينة تقترن به ..وهو مذهب الفقهاء..، والدليل على ذلك من جهة الإجماع: أن الأمة في جميع الأعصار-طبعا يدخل في ذلك عصر الصحابة-  مجمعة على الرجوع في جميع العبادات وتحريم المحرمات إلى قوله تعالى: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) وإلى قوله : (ولاتقربوا الزنى) (ولاتأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) فثبت بذلك اتفاقهم على أن ظاهر الأمر الوجوب.. ونحن نرى اليوم الأمة مجمعة على الرجوع إليها في الوجوب مع عدم القرائن)
إحكام الفصول في أحكام الأصول ص79

الإمام أبو المظفر ابن السمعاني الشافعي (ولد 426هـ):


(المتعارف من أمر الصحابة رضي الله عنهم أنهم عقلوا عن مجرد أوامر الرسول صلوات الله عليه الوجوب وسارعوا إلى تنفيذها ولم يراجعوه فيها ولم ينتظروا لها قـِـران الوعيد وإرادته إياها بالتوكيد ولو كان كذلك لـحُكِـيَ عنهم ولـنـُقِـل القرائن المضافة إلى الأوامر كما نُـقِـلت أصولها ، فلما نُقِـلَـت أوامره ونـُقِـل امتثال الصحابة لها من غير تَـلَـبُّث وانتظار، ونقل أيضا احترازهم عن مخالفتها بكل وجهٍ عرفنا أنهم اعتقدوا فيها الوجوب.
هذا كله من الشرع وأما من حيث اللسان فلأن العرب تستجيز نسبة المخالف للأمر إلى العصيان إحالة له إلى نفس المخالفة يقول القائل منهم لغيره "أمرتك فعصيتني"وهذا شيء متداول بينهم لا يمتنع أحد منهم عن إطلاقه عند مخالفة الأمر قال شاعرهم:
أمرتك أمرا جازما فعصيتني *** وكان من التوفيق قتل ابن هاشم
وقال دريد بن الصمة:
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى***فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد
فما عصوني كنت منهم وقد***أرى غوايتهم وأنني غير مهتد
إلى أن قال.. وقد استدل المتقدمون في هذه المسألة بأمر السيد عبده بغفل من الأفعال ثم إذا خالف يجوز تأديبه وحَـسُـن منه ذلك عند العقالء كافة ولولا أنه أفاد الوجوب لم يَـحْـسُـن تأديبه إلا بقرينة يَصِـلُها بأمره ليدل على الوجوب)
قواطع الأدلة (1/57-59)